الشروط الخاصة بالشهادة في جميع جرائم الحدود والقصاص
أولاً : الذكورة :
هل يشترط في الشهادة على جرائم الحدود أو القصاص أن يكون الشهود رجالاً ؟
وهل يجوز قبول شهادة النساء مع الرجال أو منفردات ؟
هناك خلاف في الفقه الإسلامي حول إمكانية قبول شهادة النساء سواء كن منفردات أو مع الرجال في جرائم الحدود . ويتبلور هذا الخلاف في اتجاهات ثلاثة أساسية.
- الاتجاه الأول : يرى أن شهادة النساء لا تقبل في الحدود ولو كان معهن رجل :
وهذا هو اتجاه الأئمة الأربعة وبعض الشيعة الزيدية والشيعة الإمامية مستندين في ذلك إلي ما روي عن الزهري ، قول : مضت السنة من لدن رسول الله ﷺ والخليفتين من بعده "أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود" ، كما أن الرسول ﷺ وصفهن بنقصان العقل والدين والحدود تدرأ بالشبهات ، فلا تثبت بحجة فيها شبهة بخلاف سائر الحقوق ، فإنها تثبت مع الشبهات ولأن شهادة النساء بدل عن شهادة الرجال ، فإن لو يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، والإبدال غير مقبول في الحدود.
- الاتجاه الثاني : يذهب إلي أن شهادة النساء تقبل مع الرجال في الحدود :
فتقبل شهادة رجل وامرأتين ، فيما يثبت من الحدود برجلين كالشرب ، وثلاثة رجال وامرأتين في الزنا لأنه نص واحد من عدد الرجال فقام مقامه امرأتان ، كالأموال إذ شهادتين مقبولة بالجملة لقوله تعالي : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) ، ولا فرق بين شهادة وشهادة ، ويرى أنصار هذا الاتجاه أن الآيات الواردة في الشهادة على الزنا ، والتي نصت على أنه لا يقبل في الزنا إلا أربعة إنما جاءت على سبيل التغليب ، ويمثل هذا الاتجاه عطاء بن أبي رباح وحصاد بن سليمان ، والحسن البصري والأباضية.
- الاتجاه الثالث : يرى قبول شهادة النساء في الحدود سواء كان منفردات أو كان معهن رجال من غير فرق بين الزنا وبقية الحدود:
وتقوم امرأتان مقام كل رجل وهذا مذهب بن حزم.
هذا فيما يتعلق بالخلاف حول إمكانية قبول شهادة النساء سواء كن منفردات أو كان معهم رجل في جرائم الحدود في الفقه الجنائي الإسلامي ، ولا يختلف الأمر كثيراً في جرائم القصاص ، إذ ذهب جمهور الفقهاء إلي أنه لا يقبل في إثبات جرائم القصاص إلا رجلان ، ولا تقبل شهادة الرجل والمرأتين ، واستدلوا على ذلك بما قاله الزهري "مضت السنة من لدن رسول الله ﷺ والخليفتين من بعده ألا شهادة للنساء في الحدود والقصاص".
وذهب أهل الظاهر وبعض الفقهاء إلي الاكتفاء في ثبوت جناية القتل بشهادة رجل وامرأتين ، وقد استدلوا بقوله تعالي : "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان".
ثانياً: عدالة الشهود :
يجب أن يتيقن القاضي من عدالة الشاهد ولو لم يطلب المدعي عليه ذلك ، ولذا لا تقبل شهادة مجهول الحال في الحدود ولو أن الأصل في المسلمين العدالة ، وهذا بالإجماع لأن الحدود يحتال لدرئها .
ثالثاً: القدرة علي ادعاء الشهبة :
يجب أن يكون المشهود عليه قادراً على ادعاء الشهبة فإن كان غير قادر على ذلك كالأخرس لم تقبل شهادته ، لأنه يحتمل أن يدعي شبهة لو كان قادراً على الكلام والحد لا يثبت مع الاحتمال .
رابعاً: الأصالة في الشهادة :
الاتجاه الأول : يرى قبول الشهادة على الشهادة في الحدود والقصاص وهذا هو اتجاه المالكية وقول عند الشافعية ، مستندين في ذلك إلى أن هذه الجرائم تثبت بشهادة الأصل فتثبت بالشهادة على الشهادة كالمال.
الاتجاه الثاني : يذهب إلي وجوب الأصالة في الشهادة على الحدود والقصص فجرائم الحدود والقصاص مبنية على الستر والدرء بالشبهات والإسقاط بالرجوع عن الإقرار والشهادة على الشاهد إليها شبهة ، فإنها يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع مع احتمال ذلك في شهود الأصل ، فوجب أن لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل ، وهو معتبر بدليل أنها لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل ، فوجب أن لا تقبل فيما يندرج بالشبهات لأنها تقبل للحاجة ، ولا حاجة إليها في الحد أو القصاص.
وقد أجاب أصحاب هذا الرأي على ما استدل به الاتجاه الأول بأنه قياس مع الفارق ، أما بينهما من الفرق في الحالة والتساهل ، فالأموال الحاجة مصلحة إلي إثباتها لمستحقيها بخلاف الحدود والقصاص ، فإنها تدرأ بالشبهات.
خامساً: الحرية :
وفي هذا اختلف الفقهاء ، فذهب أحمد في المشهور عنه إلي قبول شهادة العبد ، إلا في الحدود والقصاص ، لأن شهادته مختلف في قبولها بالنسبة لسائر الحقوق ، وهذا الاختلاف يورث شبهة في شهادته فتكون حجة فيما يدرأ بالشبهات.
وذهب أبو حنيفة والشافعي والمالكي وبعض الشيعة الإمامية إلي عدم قبول شهادة العبد في كل شيء إلا إذا أداها بعد العتق.
وذهب رأي ثالث إلي قبول شهادته في كل ما تقبل فيه شهادة الحر إلا إذا كانت لسيده ، وهذه رواية عن أحمد ومذهب أبي ثور والثوري والشيعة الزيدية وبعض الإمامية.
وقد استدل كل فريق بأدلة صحت عنده ، ولكننا لا نرى جدوى من مناقشة هذه الأدلة بعد إلغاء نظام الرق.