خصائص العقوبة |
أولاً: شرعية العقوبة
العقوبة ضرورة حتمية تفرضها اعتبارات حماية النظام القانوني الذي انتهكه الجاني بسلوكه الاجرامي، ومن مبررات العقاب وأهدافه نلاحظ أن العقوبة هي جزاء علي فعل يعده المشرع جريمة، وهذا هو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يعتبر من المبادئ الاساسية المقررة في معظم الدساتير ومنها الدستور المصري الصادر سنة 1971 الذي ينص في المادة 66/2 علي أنه ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون ,، وعلي عقاب إلا علي الافعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون).
ويعني هذه المبدأ الدستوري الهام أن المشرع وحده الذي يملك بيان الأفعال المعاقب عليها وتحديد العقوبات التي توقع علي مرتكبيها، وفي حدود النصوص القانونية وحدها يتحدد سلطان القاضي، فهو لا يستطيع ان يقرر عقوبة لفعل لم يرد نص بالعقاب عليه، ولا أن يوقع عقوبة غير ما نص عليه وفي الحدود المبينة قانوناً، مهما كان الفعل المعروض عليه ضار بالمصلحة أو منافياً للآداب.
وهذا المبدأ هو ثمرة من ثمار الكفاح الانساني ضد الاستبداد والتحكم، عندما كانت الجرائم والعقوبات تخضع لهوي الحكام وعسف القضاة، وفي القرن الثامن عشر ومع قيام الثورة الفرنسية قرر هذا المبدأ لأول مرة في إعلان حقوق الانسان والمواطن في فرنسا سنة 1789، ثم اتخذ سبيله في التشريعات الحديثة حتي أصبح من المبادئ المقررة في كل تشريع جنائي حتي في الشرائع الانجلو سكسونية التي ترجع إلي العرف القضائي أكثر مما ترجع إلي القانون المكتوب.
وبهذا المفهوم يفرض مبدأ الشرعية علي القاضي التزامات معينة من أهمها:
- ان يمتنع عن تطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي، إلا إذا كان أصلح للمتهم، لما ف ذلك من اعتداء علي حرية الافراد، ومساس بحقوقهم المكتسبة دون انذار مسبق.
- علي القاضي ان يلتزم بالعقوبات المقررة للجرائم في النصوص الجنائية التي نصت عليها نوعاً ومقداراً، فيمتنع عليه إذن توقيع عقوبة لم ترد في هذه النصوص، أو تقرير عقوبة تختلف نوعها عن تلك المنصوص عليها، أو تطبيق عقوبة يزيد أو ينقص مقدارها عن الحدود المبينة فيها.
- لا يجوز للقاضي استخدام القياس في تقرير العقوبات، فضلاً عن وجوب التزامه بتفسير قواعد قانون العقوبات تفسيراً ضيقاً.
ثانياً: شخصية العقوبة
من المبادئ الأساسية في قانون العقوبات ذلك المبدأ الذي يقضي بأن العقوبة شخصية، بمعني أنه لا يجوز ان تنفذ العقوبة علي شخص عن جريمة ارتكبها غيره وادين فيها، فهي لا تنفذ إلا علي نفس من انزلها القضاء عليه، ولا تصيب غيره من أفراد اسرته، أو ورثته أو غيرهم مهما كانت الصلة تربطه بهم.
ويعد هذا المبدأ حديث العهد، فلم يكم مقرراً بصفة مطلقة في الشرائع السابقة، ففي فرنسا قبل الثورة لم تكن العقوبة تلحق الجاني فقط وإنما تتعدي إلي باقي أفراد اسرته.
ونتيجة لهذا المبدأ فإنه إذا توفي الشخص مرتكب الجريمة قبل صدور الحكم انقضت الدعوي الجنائية، وإذا توفي بعد الحكم عليه وقبل تنفيذ العقوبة سقط الحكم بوفاته، أما إذا توفي اثناء التنفيذ، أمتنع تنفيذ العقوبة علي شخص غيره.
ومع ذلك فشخصية العقوبة لا يمكن ان تتحقق من الناحية العملية علي الصورة المقررة في القانون، لأنه في الواقع كثيراً ما يصيب اثر العقوبة غير الجاني فنجد مثلاً ان تنفيذ حكم الاعدام يسلب المحكوم عليه الحياه ومع هذا يضار منه أفراد عائلته لحرمانهم من عائلهم.
ثالثاً: عمومية العقوبة
يقصد بذلك أن تكون العقوبة عامة، أي مقررة بالنسبة للجميع دون تفريق بينهم تبعاً لمراكزهم الاجتماعية وذلك تطبيقاً لمبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون، ويلاحظ أن مبدأ عمومية العقوبة لا تعني أنه يجب أن يوقع علي كل من يرتكب جريمة من نوع معين عقوبتها بعينها، لا تختلف في نوعها ولا مقدارها، لأن هذا لو جاز لأدي إلي ظلم بين تنتفي معه كل فكرة في المساواة، ولذلك خول المشرع للقاضي سلطة تفريد العقاب، أي اعمال سلطته في تقدير العقوبة في كل حالة تطرح عليه حسب قصد الجاني من الفعل أو درجة خطئه وظروف وملابسات ارتكابه الجريمة ودوافع ارتكابها وسوابقه وهذا ما يسمي بالتفريد العقابي.
وتفريد العقوبة علي هذا الوجه هو المساواة بعينها في التطبيق بين الناس وليس فيه خروج علي مبدأ المساواة في العقوبة ما دامت العقوبات في الجملة مقررة للناس جميعاً علي السواء مهما اختلفت مراكزهم الاجتماعية.
رابعاً: تفريد العقوبة
يقصد بتفريد العقوبة أنه علي القاضي في كل حالة تطرح عليه أن يحدد العقوبة تبعاً لظروف الحاني الواقعية، سواء منها ما يتصل بظروف وملابسات ارتكاب الجريمة، أو ما يتصل بشخص الجاني ومدي خطورته الإجرامية.
- التفريد التشريعي: وهو الذي يراعيه المشرع عندما يقرر بعد تقدير العقوبة إلزام القاضي الجنائي بالأخذ بأسباب التشديد أو التخفيف أو الاعفاء من العقاب تبعاً لتفاوت ظروف وملابسات الجرائم ودوافع ارتكابها.
- التفريد القضائي: يعني أن المشرع بعد ان يحدد للعقوبة حد أدنى وحد أقصى يترك للقاضي اعمال سلطته في تقدير العقوبة بين هذين الحدين آخذاً في الاعتبار الظروف الخاصة بارتكاب الجريمة من حيث جسامتها ومدي خطورة الجاني.
ومن صور هذا التفريد أن يترك المشرع للقاضي الخيار بين عقوبتين كالإعدام أو الاشغال الشاقة المؤبدة في بعض الجنايات، والخيار بين الحبس والغرامة أو امكانية الحكم بأحدي العقوبات التخييرية التي ينص عليها القانون في بعض الجرائم، أو الحكم بالعقوبة الأصلية مع النفاذ أو إيقاف التنفيذ. - التفريد الإداري: فهو الذي تقوم به الإدارة العقابية القائمة علي تنفيذ العقوبة دون ان ترجع في ذلك إلي السلطة القضائية، وليس لهذا التفريد من هدف سوى اصلاح حال المجرم، وذلك بفحص كل محكوم عليه بعقوبات سالبة للحرية فحصاً طبياً ونفسياً واجتماعياً، واخضاعه تبعاً لنتيجة هذا الفحص لما يلائمه من المعاملة في المؤسسة العقابية، وذلك دون تعويل الطبيعة القانونية التي حكم بها القضاء.
ومن مظاهر التفريد الإداري، جواز الافراج الشرطي عن المحكوم عليه استوفي ثلاثة ارباع المدة المحكوم بها عليه إذا كان وجوده في السجن يدعو إلي الثقة في أنه لن يعود إلي سلوك طريق الجريمة مرة أخري، ومن مظاهره أيضاً حق العفو عن العقوبة كلها أو بعضها أو ابدالها بأخف منها.
خامساً: قضائية العقوبة
يقصد بقضائية العقوبة أن السلطة القضائية دون سواها هي المختص بتوقيع العقوبات الجنائية، ولقد ورد النص علي هذا المبدأ في نص المادة 66/2 من الدستور المصري لسنة 1971 إذ تقرر بأنه ( لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي)، كما أكدته المادة 459 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقضي بأنه (لا يجوز توقيع العقوبات المقررة بالقانون لأية جريمة إلا بمقتضي حكم صادر من محكمة مختصة بذلك).
وهكذا فحتي مع اعتراف المتهم بالجريمة، فلا تملك سلطات الشرطة أو النيابة العامة أن توقع عليه العقوبة المقررة للجريمة في القانون، ب يتعين رفع دعوي جنائية أمام القضاء المختص كي يصدر حكماً بالعقوبة المقررة مع تحديدها نوعاً ومقداراً.