شروط تطبيق التدابير الاحترازية |
أولاً: ارتكاب جريمة سابقة
يتجه الرأي الغالب في الفقه إلي اشتراط ارتكاب المتهم جريمة حتي يمكن انزال التدبير الاحترازي عليه ويعتبر هذا الرأي رفضاً لفكرة المجرم بالميلاد، التي قال بها لومبروزو والتي تذهب إلي انزال التدبير الاحترازي علي من لم يقدم علي ارتكاب جريمة طالما ان حالته تفصح عن خطورة معينة، وأهم حجة يستند إليها اصحاب اشتراط الجريمة السابقة هي الحرص علي حماية الحريات الفردية، إذ أن انزال التدبير بشخص لمجرد خطورته يعد مساساً بحريته الفردية، كذلك فإن التدابير الاحترازية هي احدى صور الجزاء الجنائي التي تستمد شرعيتها من مبدأ الشرعية الجنائية الذي يقضي بتحديد الجرائم التي توقع من أجلها التدابير الاحترازية، ومع ذلك لم يخل هذا الرأي من النقد من ناحيتين:
الأولي: ان الخطورة الاجرامية هي التي يتجه التدبير الاحترازي إلي مواجهتها فإذ ثبت بالفعل توافرها وجب مواجهتها بتطبيق التدبير الاحترازي دون انتظار ارتكاب جريمة تؤدي إلي الاعتداء علي النظام الاجتماعي أو المساس بالمصلحة التي يحميها القانون، أما الناحية الثانية: فإن اشتراط سبق ارتكاب جريمة قد يوحي في الظاهر بأن هذا التدبير هو جزاء الجريمة وهذا يتناقض مع طبيعة التدبير الاحترازي التي لا تتجه إلي ماضي من توقع عليه وإنما تنصرف إلي مستقبله فحسب.
ومع ذلك إننا نري صواب الرأي الذي يشترط سبق ارتكاب جريمة قبل انزال التدبير الاحترازي حفاظاً علي حريات الافراد وحقوقهم، وتجنباً لعسف واستبداد السلطات العامة في توقيع التدابير الاحترازية.
ثانياً: الخطورة الإجرامية
تعرف الخطورة الإجرامية بأنها حالة نفسية في الشخص تنذر باحتمال ارتكابه جريمة تالية في المستقبل، ويتضح من هذا التعريف ان الخطورة الإجرامية هي مجرد احتمال أو نوع من التوقع منصرف إلي المستقبل وان موضوع هذا التوقع هو جريمة تصدر عن نفس الشخص الذي ارتكب جريمة سابقة.
1) مدلول الاحتمال:
يتمثل جوهر الخطورة في ( الاحتمال ) الذي هو حكم موضوعه تحديد العلاقة بين مجموعة من العوامل توافرت في الحاضر وواقعة مستقبلية من حيث مدي مساهمة تلك العوامل في أحداث هذه الواقعة، وينبني علي ذلك ان الاحتمال لا يعني تصوراً شخصياً للقاضي بأن المجرم سوف يقدم علي ارتكاب جريمة أخرى في المستقبل، ولكن يتعين علي القاضي دراسة العوامل الشخصية والمادية المحيطة بالمجرم وذلك بالاستعانة بالخبرة النفسية والاجتماعية لمعرفة ما إذا كان من شأنها ان تدفعه إلي ارتكاب جريمة تالية في المستقبل فإذا ما طغت العوامل الدافعة إلي ارتكاب الجريمة غلي العوامل التي من شأنها ان تصرفه عنها كان هذا الشخص علي خطورة إجرامية.
وعلي هذا فإن الاحتمال يحتل مرتبة وسطي بين كل من الحتمية والامكان البعيدين عن فكرة الخطورة تماماً، لأن الحتمية لا تعني وجود علاقة بين واقعتين وان احدهما تستتبع الاخرى علي نحو لا شك فيه قط، فهما بذلك واقعتان مرتبطتان من حيث التسلسل ارتباطاً لازماً ولذلك فإن الحتمية تفترض العلم بجميع العوامل التي تساهم في حدوث الجريمة المستقبلية.
اما الامكان وان كان يتفق مع الاحتمال في قيام الشك حول حدوث الجريمة المستقبلية نظراً للجهل ببعض العوامل التي تساهم في حدوثها إلا ان هناك فارقاً كمياً بينهما يتوقف علي مقدار انتظار الباحث حدوث هذه الجريمة، فأن انتظرها علي انها امر يغلب حدوثه فذلك هو الاحتمال، أما ان انتظرها علي انها واقعة يندر حدوثها فذلك هو الامكان.
نخلص مما سبق ان معيار الخطورة الاجرامية هو في احتمال ارتكاب المجرم لجريمة تالية في المستقبل، فلا يكفي امكان ارتكابها ولا يشترط حتمية وقوعها.
2) الجريمة المستقبلية:
سلف لنا القول بأن موضوع الاحتمال الذي تنطوي عليه الخطورة الإجرامية يكمن في اقدام المجرم علي ارتكاب جريمة اخرى في المستقبل، ويترتب علي توافر الخطورة الإجرامية اتخاذ التدبير الاحترازي الذي يهدف إلي وقاية المجتمع مخاطر جرائم تالية، ومن ثم فإن شرط انزال التدبير ان يكون السلوك الإجرامي من شأنه إحداث ضرر بالمجتمع، وعلي ذلك فان الخطورة الإجرامية لا تقوم إذا كان موضوع الاحتمال هو اقدام المجرم علي سلوك ضار بنفسه لا تقوم به جريمة فالمجرم الشاذ الذي يحتمل اقدامه علي اصابة نفسه أو الانتحار لا يعد مصدراً للخطورة الإجرامية في القانون المصري الذي لا يعاقب علي الانتحار.
3) اثبات الخطورة الاجرامية:
سلف لنا القول بأن الخطورة الإجرامية في ذاتها حالة نفسية تنصرف إلي شخص الجاني بدون علاقة بماديات الجريمة، ويعني ذلك ان موطن الخطورة هو شخص المجرم وليس واقعة او وقائع مادية معينة وان صلحت الاخيرة للكشف عن هذه الخطورة، وذلك فهي تثير صعوبات من حيث الاثبات إلا ان المشرع يتغلب علي هذه الصعوبات بأحدي الوسيلتين:
الاولي: تحديد العوامل الاجرامية التي يرد عليها الاثبات، تاركاً للقاضي اعمال سلطته التقديرية لاستخلاص توافر الخطورة الاجرامية أو عدم توافرها، كما تستخلص من الاعتبارات الاتية:
- طبيعة الفعل ونوعه ووسائله وموضوعه وزمنه ومكانه وكل صفة أخري يتصف بها.
- جسامة الضرر أو الخطر الذي هدد المجني عليه.
ويضيف هذا النص إلي ذلك ان القاضي عليه ان يضع في اعتباره كذلك الميل الاجرامي للمتهم وتستخلص من الاعتبارات الأتية :
- بواعث الجريمة ونوع الجرم.
- سوابقه الإجرامية، وبصفة خاصة سلوكه وأسلوب حياته السابق علي الجريمة.
- سلوكه المعاصر أو اللاحق للجريمة.
- ظروف حياته الخاصة والعائلية والاجتماعية.
أما الوسيلة الثانية: فهي افتراض المشرع لبعض حالات الخطورة الاجرامية افتراضاً غير قابل لإثبات العكس، فيستبعد بذلك استخدام القاضي لسلطته التقديرية في تقدير الخطورة بحيث لا يكون له نفيها حيث تتوافر الواقعة التي يثوم عليها الافتراض، وهذه الواقعة هي في الغالب ارتكاب جريمة ذات جسامة معينة، وتقدير هذه الجسامة يرتبط غالباً بجسامة العقوبة.